1. لبنان

الرد الإيراني ليس مجرد ضربة... إنها لحظة تاريخيّة لولادة شرق أوسط جديد

lebanon |
lebanon

كتب قاسم متيرك

كان على اسرائيل ان تواجه صواريخ الحرب النفسية التي اطلقتها ايران عندما توعدت بالرد على ضرب قنصليتها في دمشق الأسبوع الماضي. اتخذت حكومة الحرب الاسرائيلية قرارات عاجلة لمنع انهيار الجبهة الداخلية التي اصيبت بالذعر بعدما سيطر الهلع عليها.

كأن السابع من أكتوبر يتكرر وفق سيناريوهات أكثر رعبا. اسرائيل غير قادرة على حماية نفسها. على الولايات المتحدة الأميركية أن تتحرك فورا لردع إيران بهجوم دبلوماسي أو بتدخل عسكري مباشر لحماية اسرائيل ومنعها من الانهيار. قد يكون ثمن الحماية مكلفا على خصوم ايران لأن طوفان الأقصى ألحق هزيمة عسكرية وأمنية باسرائيل لا يمكن ترميمها. النصر الذي وعد فيه بنيامين نتنياهو الاسرائيليين يبتعد أكثر كلما زادت غزة شهرا اضافيا على صمودها الأسطوري. حتى لو انتهت الحرب فإن إسرئيل ستخرج منها ضعيفة جدا. ستسقط عندما تسقط الوصاية الأميركية.

الرد الإيراني لن يكون حدثا عابرا. القرار الذي اتخذته القيادة الايرانية بالرد هو جزء من الرد. الآتي أعظم. الرد الايراني ليس مجرد ضربة مقابل ضربة. إنه فصل جديد في تاريخ الأحداث العالمية. تطور استراتيجي. اعادة تشكيل النظام العالمي. الرد بمفعول رجعي لأكثر من 75 عاما إلى الوراء. أبعد من قمة يالطا. الى سايكس بيكو ووعد بلفور. اسرائيل كانت غلطة واستمرارها غلطة أكبر.

ايران تملك مشروعية الرد. لا يمكن للعالم ان يلومها على ذلك. لا يمكن للعرب أن يتركوا ايران تخوض الحرب من أجل فلسطين بينما يقفون في طابور التطبيع. اسرائيل تقول انها سترد على الرد. ماذا بعد؟. تبادل الضربات بين اسرائيل وايران قد يستدرج الولايات المتحدة. هل يمكن استدراج إدارة بايدن الى الحرب فيما يستعد الرئيس الأميركي لمعركة انتخابية مصيرية؟. بالتأكيد محور المقاومة سيضرب القواعد الأميركية في المنطقة. الممرات البحرية في باب المندب ومضيق هرمز الى جبل طارق ستغلق. الجليل كله من طبريا الى حيفا تحت النار. سيتم تقسيم بحار العالم كما كانت قبل حفر قناة السويس. إسرائيل لأول مرة تحت الحصار. العالم قد ينزلق الى حرب كبرى.

قبل الحرب الكبرى كيف يبدو المشهد في المنطقة والعالم؟.

أوكرانيا تخسر أمام روسيا في حرب تستنزف مال أوروبا وسلاحها. خسرت أوروبا الغاز الروسي والقمح الاوكراني والحدود الشرقية الآمنة. الحلف الأطلسي يتوسع ولكن مقابل محور روسي يتشكل في آسيا. روسيا اليوم ليست هي نفسها قبل 33 عاما عندما اعترفت بهزيمة الشيوعية السوفياتية أمام الليبرالية الغربية. روسيا تغيرت كثيرا. روسيا الآن تتجه غربا. إنها تهاجم.

الولايات المتحدة تفقد حضورها في أفغانستان. تفاوض على وجود قواتها في العراق. تخسر في سوريا. لم تعد قادرة على استثمار فعال للتنظيمات الارهابية في تخريب محور المقاومة. قواعدها العسكرية في المنطقة مُهددة. تحتاج واشنطن الى استنفار 40%‎ من قدراتها القتالية لتأمين هذه القواعد. وتحتاج إلى 60 ‎%‎ من القدرات لو ارادت الدخول في حرب. كل ما بنته الولايات المتحدة في السنوات السابقة تصدع. الولايات المتحدة التي سيطرت على السياسات العالمية بعد 11 أيلول 2001 لم تعد كما هي. اسرائيل أكثر من يعلم هذه الحقيقة.

شكلت عملية طوفان الأقصى في 7 اكتوبر 2023 نقطة تحول استراتيجية عندما اكتشف العالم ان اسرائيل دولة قابلة للهزيمة ويمكن ان تزول وان استمرارها مرتبطة بالدعم الاميركي المباشر لها بشكل عام. في اليوم التالي لسقوط الجدار الأمني الذي يفصل غزة عن غلاف من المستوطنات الاسرائيلية المسلحة حركت واشنطن سفنها العسكرية نحو البحر المتوسط وأرسلت رسائل لعواصم في المنطقة ومنها طهران تحذر من توسيع الحرب. شجعت الإدارة الأميركية إسرائيل على الانتقام ونصحتها بعدم اجتياح قطاع غزة حتى لا تقع بما وقعت فيه الولايات المتحدة عندما اجتاحت أفغانستان. بعد ٢٠ سنة من العمليات القتالية لم تتمكن القوات الأميركية من القضاء على حركة طالبان ولم تنجح في تأسيس نظام سياسي ولا قوات عسكرية ولا مؤسسات حكومية. طالبان الآن تحكم أفغانستان. هذه هي العبرة. لا بديل عن حركة حماس في غزة. أمريكا تفهم. إسرائيل لا تتعظ.

قبل 17 عاما وضعت اسرائيل مجموعة من الأهداف ردا على عملية أسر جنود اسرائيليين نفذها حزب الله على الحدود عام ٢٠٠٦: القضاء على حزب الله. إخلاء جنوب لبنان من السكان وتحويلهم إلى لاجئين . تنفيذ عمليات اعتقال في صفوف الشباب والرجال وزجهم في معسكرات اعتقال في الجليل. فرض منطقة عازلة خالية من اللبنانيين تنتشر فيها قوات دولية. انتاج نظام لبناني جديد مؤهل للدخول في التطبيع مع اسرائيل. كان ذلك مقدمة لولادة شرق أوسط جديد.

فشلت اسرائيل في تحقيق أهدافها، لكنها بنت على تجربتها في حرب لبنان الثانية (2006) ووضعت مجموعة من الخطط للانتصار في اي حرب مقبلة تقوم على الفتك والقتل والتدمير والتهجير والتسفير. ما يحدث في غزة حالياً أكثر من ذلك. إبادة جماعية.

كانت اسرائيل تدرك تماما أن الخطر على وجودها قادم من إيران تحديدا. المشروع النووي الإيراني. تكنولوجيا الصواريخ والمسيرات. محور المقاومة. وحدة الساحات. الحشد الشعبي في العراق. أنصار الله في اليمن. حفر الانفاق في غزة ولبنان. الدفاع عن المسجد الأقصى. كلها عناوين تعتقد إسرائيل انها تقود الى مواجهة حتمية مع طهران.

هل حان وقت المواجهة؟. هل قصفت اسرائيل القنصلية لاستدراج إيران إلى معركة تدخل فيها الولايات المتحدة مرغمة؟. هل كانت واشنطن على علم مسبق بالهجوم الاسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق؟. هل ستقف الولايات المتحدة على الحياد في اي مواجهة بين ايران واسرائيل. واشنطن ملتزمة بتمكين إسرائيل من الدفاع عن نفسها أولا، والدفاع عنها ثانيا.

مهما يكن، فإن الهجوم على القنصلية الإيرانية قد يكون الهدف منه الضغط على طهران لدفعها إلى الضغط بدورها على حماس للقبول بشروط التهدئة التي اقترحتها واشنطن. منذ ٧ اكتوبر الماضي يلعب الرئيس الأميركي جو بايدن دور الأب العاجز عن كبح روح الانتقام لدى ابنه البكر. يوفر له المال والسلاح والحماية. الأميركي شريك كامل في الحرب الفتاكة على غزة. الأدلة كثيرة.

إذا صحت هذه الفرضية فهذا يعني ان واشنطن كانت قد وافقت على ضرب القنصلية الإيرانية. هل تدرك العواقب؟. هل تستطيع أن تتحكم بمسرح الأحداث طوال الوقت؟. تعتقد الولايات المتحدة ان سياسة التهويل بالحرب هي التي منعت محور المقاومة من فتح الجبهات على اسرائيل. قد يؤدي التهويل ايضاً إلى فرملة الرد الإيراني وإلى تفريغه من مضمونه وتحويله من رد استراتيجي الى عملية انتقامية رمزية فقط. الصراخ الاميركي لم يتمكن من اقفال الجبهات المفتوحة على اسرائيل في لبنان والعراق واليمن. جميع هذه الجبهات ستنتقل الى مرحلة جديدة من العمل العسكري فيما لو تجرأت إسرائيل على تنفيذ هجمة مرتدة على ايران.

الأمام الخامنئي وصف عملية طوفان الأقصى بانها زلزال مدمر تمكن من هدم أساسات رئيسة في الكيان الصهيوني لا يمكن ترميمها. لم تخرج اسرائيل من الطوفان ولن تخرج منه وفقا لحسابات طهران. طريق القدس الذي مشت فيه الثورة الإسلامية الإيرانية منذ انطلاقتها يكاد يصل إلى آخر نقطة له. الحرب الكبرى.