أفادت نتائج استطلاع لآراء الناخبين لدى خروجهم من مراكز الاقتراع بأن تحالفا يمينيا بقيادة حزب “إخوة إيطاليا” فاز بأغلبية واضحة في الانتخابات العامة، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وأظهر الاستطلاع الذي أجرته محطة “راي” التلفزيونية الحكومية، أن تكتل الأحزاب المحافظة -الذي يضم حزب “إخوة إيطاليا” بزعامة جيورجيا ميلوني، وحزب “الرابطة” بزعامة ماتيو سالفيني، وحزب “فورزا إيطاليا” بزعامة سيلفيو برلسكوني- فاز بنسبة تتراوح بين 41% و45%، وهو ما يكفي لضمان السيطرة على مجلسي البرلمان.
من جهته، أقر الحزب الديمقراطي الإيطالي بالهزيمة في الانتخابات، وقال إنه سيصبح الكتلة المعارضة الأكبر بالبرلمان. وأعلنت ميلوني أنها ستقود الحكومة القادمة، وأضافت في كلمة أمام أنصارها أن حزبها سيحكم لصالح جميع الإيطاليين في حالة تكليفه بتشكيل الحكومة. كما قالت إن الوضع في البلاد صعب ويحتاج إلى مساعدة الجميع، على حد تعبيرها.
وإذا فاز الحزب بالانتخابات التشريعية بكل رسمي، فستكون المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي يتصدر فيها حزب من أقصى اليمين المشهد الانتخابي في إيطاليا، وسيقع على عاتق ميلوني تشكيل حكومة جديدة.
من هي جيورجيا ميلوني؟
ولدت جيورجيا ميلوني في 15 يناير/كانون الثاني 1977 بحي غارباتيلا الذي تقطنه الطبقة العاملة في العاصمة روما، وكانت والدتها في الـ23 من عمرها عندما أنجبتها، بعد عام ونصف من ولادة ابنتها الأولى أريانا.
ونظرا لغياب الوالد، اضطرت الأم إلى الجمع بين عدد من الوظائف لتغطية نفقات تربية ابنتيها، مما جعل ميلوني تحذو حذو أمها فيما بعد أيضا، فعندما كانت مراهقة عملت ساقية في أحد النوادي الليلية الشهيرة بروما، كما عملت جليسة أطفال.
وفي الخامسة عشرة من عمرها، انضمت جيورجيا إلى جناح الشباب في “الحركة الاجتماعية الإيطالية” التي شكلها أنصار الدكتاتور الفاشي بينيتو موسوليني بعد الحرب العالمية الثانية، وكان قد أنشأها جورجيو ألميرانتي الذي كان وزيرا في حكومة موسوليني. وبحسب قولها في كتابها عن سيرتها الذاتية، “فقد وجدت في الحركة عائلة ثانية. وجدت تضامنا ومجتمعا متماسكا كرّس فيه أفراده وقتهم للسياسة بدلا من التردد على المراقص أو التسوق مثل أقرانهم”.
ومن ثم أصبحت ناشطة في الحركة، وبرعت في حشد المنظمات الطلابية وتنسيقها، وصقلت ميلوني إمكاناتها من خلال السياسة الطلابية، ووزعت منشورات في المدارس، ووضعت ملصقات في الشوارع، وكانت تحاول قياس الشعور العام من خلال الدردشة مع الناس في الأسواق، وهو أمر قالت إنها لا تزال تفعله اليوم.
عندما كانت في التاسعة عشرة من عمرها، كانت تناضل من أجل التحالف الوطني اليميني المتطرف، وقالت للتلفزيون الفرنسي إن “موسوليني كان سياسيا جيدا، لأن كل ما فعله، فعله من أجل إيطاليا”، وما لبثت أن أصبحت ميلوني رئيسة لحركة الشباب.
وبدأت ميلوني حياتها العملية صحفية، وتعزز صعودها في السياسة من خلال وصول سيلفيو برلسكوني إلى السلطة أول مرة عام 1994، في ائتلاف مع التحالف الوطني المعاد.
وفي عام 2006، دخلت البرلمان بعد انتخابها نائبة عن “التحالف الوطني” وهي في التاسعة والعشرين من عمرها، وأصبحت أصغر نائبة رئيس لمجلس النواب الإيطالي. وفي عام 2008 تم تعيينها وزيرة لسياسة الشباب في حكومة برلسكوني، وهو المنصب الذي شغلته منذ 8 مايو/أيار 2008 حتى 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وكانت أصغر وزيرة في تاريخ الجمهورية الإيطالية.
في 2009، اندمج حزبها مع حزب “فورزا إيطاليا” في حزب موحد سمي “شعب الحرية”، وتولت رئاسة قسم الشباب فيه وأطلق عليه اسم “إيطاليا الشابة”.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2012، انسحبت رفقة زميلين لها من حزبها لتأسيس حركة سياسية جديدة، اقتُبس اسمها “إخوة إيطاليا” من النشيد الوطني الإيطالي. وفي الانتخابات العامة 2013، حصل حزبها على 2% من الأصوات بمجموع 9 مقاعد برلمانية. وفي مارس/آذار 2014 فازت في الانتخابات التمهيدية لحزبها وأصبحت رئيسة له.
كانت مرشحة لمنصب رئيس بلدية روما عام 2016، لكنها خسرت. وقد صوتت هي وحزبها بـ”لا” في الاستفتاء على الدستور الإيطالي في العام ذاته. منذ ذلك الحين، عملت ميلوني على إخراج الحزب من الأطراف، من خلال إعادة تشكيله باعتباره بطلا محافظا على الوطنية. ساعد هذا النهج في دفع المجموعة إلى الأمام، وهي الصورة التي شكلها انتخاب ميلوني رئيسة لتحالف المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين عام 2020.
حاولت ميلوني أيضا تطهير حزبها من صورته الفاشية الجديدة. ففي أغسطس/آب الماضي، أصدرت مقطع فيديو تحدثت فيه باللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية التي تجيدها جميعا، وقالت فيه “لقد سلم اليمين الإيطالي الفاشية إلى التاريخ لعقود حتى الآن”، وهي تصر على أن داخل حزبها “لا مجال لمواقف الحنين إلى الماضي”.
أخذ حزبها اسمه من السطر الأول من النشيد الوطني لإيطاليا، وشعارها يتضمن نفس اللهب الذي استخدمته الحركة باللون الأخضر والأبيض والأحمر لعلم البلاد. وقد رفضت الدعوات لتغيير الشعار، قائلة إنها “فخورة” به، وأصرت على أن الشعلة “لا علاقة لها بالفاشية”، وحافظت على الشعار الفاشي: “الله، الوطن، الأسرة”.
يرى المراقبون أن ميلوني ظلت متماسكة لأنها تمكنت من العمل بهدوء في مشروعها السياسي دون دفع ثمن سياسات الحكومة اليومية في هذه العملية، وكانت قادرة على جذب الناخبين من ذوي المثل اليسارية، كما أن لديها جمهورا ناخبا ليس متطرفا أيديولوجيا إلى اليمين.
ميلوني أمّ غير متزوجة، ولديها طفلة من خارج نطاق الزواج ولدت عام 2006، وهي لا تصف نفسها بأنها نسوية، بل تقول إنها تعارض “الكوتا الوردية” (الحصة النسائية)، وإن الأدوار يجب أن تتحقق من خلال الجدارة، لا بحسب الجنس. وترى أن حزبها هو الحزب الوحيد الذي يضم العديد من النساء في مناصب قيادية، لكن معارضيها يجادلون في أنها لم تفعل سوى القليل لتعزيز التقدم الاجتماعي والاقتصادي للمرأة.
تتبنى ميلوني آراء متشددة بشأن قضايا مثل الهجرة غير النظامية، وقد دعت البحرية الإيطالية إلى إعادة المهاجرين إلى أفريقيا، كما دعت إلى فرض حصار بحري لمنع القوارب القادمة من شمال أفريقيا، لوقف الهجرة غير النظامية، كما طالبت الاتحاد الأوروبي بترك الميثاق العالمي بشأن الهجرة، وهو اتفاق غير ملزم للأمم المتحدة كان هدفا لنظريات المؤامرة اليمينية المتطرفة في العديد من البلدان، لكنها تبدي موقفا أقل تشددا مع المهاجرين “القابلين للاندماج”، في إشارة إلى المهاجرين غير المسلمين.
تقدّم نفسها أيضا على أنها “مؤيدة للأسرة”، ورفعت شعار “الله، الوطن، الأسرة” الماثل في أذهان كثيرين ممن عايشوا الحرب العالمية الثانية، وتتعاون هي وحزبها مع حركات مناهضة للإجهاض ومناهضة لمجتمع “الميم” (المثليين). ومن مواضيع حملتها الرئيسية: الحاجة إلى زيادة معدل المواليد المنخفض في إيطاليا، من خلال تشجيع النساء “الأصليات” على إنجاب الأطفال، وفي الوقت نفسه شجب خطر “الاستبدال العرقي” من قبل المهاجرين، كما أنها تعارض الإجهاض والزواج من نفس الجنس.
وقالت ميلوني إنها مؤيدة لأوروبا، لكنها -مثل زعيم حزب الرابطة الإيطالية (لا ليغا) ماتيو سالفيني- تشارك رؤية أوروبا “أكثر انسجاما” مع رؤية رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، بحجة أن سياسات الاتحاد الأوروبي ينبغي ألا تحل محل السياسات الإيطالية. وذكرت ميلوني أنها ستعيد التفاوض بشأن اتفاقية الدعم المالي الأوروبي في حال فوزها في الانتخابات، وتعهدت خلال خطاب لها في مدينة ميلانو -عاصمة الاقتصاد الايطالي- وأمام أنظار منافسيها اليمينيين سالفيني وبرلسكوني، حيث تشكل المدينة معقلهما السياسي والانتخابي، باعتماد مبدأ “إيطاليا أولا”.
لكنها في المقابل أبدت استعدادها للتفاوض بمرونة مع الاتحاد الأوروبي، حفاظا على عدم تعثر الموازنة التي أقرتها الحكومة الإيطالية في ظل تقشفٍ خلفته أزمة الطاقة المتصاعدة، والمخاوف من خطر الركود الذي تخشاه أوروبا على خلفية الحرب في أوكرانيا.
➖➖➖➖➖➖➖
للاشتراك في وكالة يونيوز للأخبار. يمكنكم الضغط على الرابط التالي
https://unewsagency.com
➖➖➖➖➖➖➖