مع اختتام الاسبوع الثاني، من العمليات العسكرية الروسية، تتوضح الأهداف الروسية الساعية لعزل البلاد، عبر احكام السيطرة على الممرات الرئيسية، والمناطق الساحلية، فضلاً عن محاولة تأمين القسم الشرقي من البلاد الممتد من اوديسا جنوباً باتجاه الشمال مروراً بكييف، والمناطق الواقعة في وسط اوكرانيا، بما فيها نهر دنيبر.
القوات الروسية، التي تتبع استراتيجية احكام الطوق على المدن الرئيسية، وتجنب الدخول في حرب مدن مع القوات الاوكرانية، التي أعادت تنظيم دفاعاتها حول هذه المدن، بعد المعلومات التي تنشر عن استقدام اسلحة ومقاتلين من الخارج عبر الحدود مع بولندا ورومانيا ومولدوفا تواصل محاولاتها للالتفاف على الجبهات الموصلة الى العاصمة كييف، التي تتقدّم نحوها من محاور مختلفة.
على الجهة الشمالية الشرقية، فإنّ القوات الروسية تحاول الالتفاف من مدينة بروفاري، التي تبعد عن العاصمة عشرين كيلو متراً ويبلغ عدد سكانها المئة الف نسمة، الى المدن والبلدات الواقعة جنوب شرق كييف، بما يساعدها على احكام الطوق على العاصمة التي تشهد معارك على تخومها الشمالية والغربية.
يُشار أن هذه القوات المتقدمة من مدينة سومي شرقاً، شقّت طريقها الى مدينة بروفاري، انطلاقاً من مدينة رومني، مروراً بمدينة بريلوكي، بهدف الالتقاء بالقوات التي وصلت الى مدينة كبتي، في حين واصلت هذه القوات محاولاتها للسيطرة على مدينة ماكاروف، التي تبعد نحو 60 كيلومترا شرقي العاصمة الأوكرانية، والتي تشهد معارك عنيفة مع القوات المدافعة عنها.
وعلى المحور الثاني من جبهة سومي، اخترقت القوات الرئيسية الطرق الرئيسية في مدينة كونوتوب باتجاه مدينة نيزهين، حيث يبدو أنّ هذه القوات تحاول الالتقاء بالقوات المتقدمة من مدينة تشيرنيهيف الوقعة شمال العاصمة كييف، المحاذية لنهر ديسنا، والتي تشهد تجمعات كبيرة للقوات الروسية، مقابل دفاعات متقدمة للقوات الاوكرانية المدافعة عن كييف.
أمّا من الجهة الشمالية الغربية لكييف، فيبدو أنّ المعارك لم تتوقف عند حدود مدينة الاربن، انما توسعت الى مدينة ستويانكا المجاورة لها، والتي تتعرض الوحدات المدافعة عنها الى قصف مركز من القوات الروسية، التي في حال تمكنت من دخول هذه المدينة مع مدينة اربن، التي تشهد معارك متواصلة، تستطيع عندها أحكام الطوق على العاصمة من الناحية الغربية، بعدما تمكنت هذه القوات من احكام سيطرتها على مدينة بوتشا التي تبعد خمسة وعشرين كيلو متراً (25 كلم) شمال غرب كييف.
وبذلك توسع القوات الروسية توسع القوات الرروسية تقدّمها على ثلاثة اتجاهات متوازية لمسافة ثلاثين كيلومتراً لتحاصر مدينة ماكاريف الاستراتيجية، ولتعسكر على ضفة نهر دينيبر الغربية غرب كييف، ولتغلق الطوق كاملاص على العاصمة، بعدما اصبحت معظم الطرف بيدها.
كما تواصل القوات تعزيز تمركزها في مطار انتونوف في غوستوميل، الواقع على بعد 30 كلم شمال غرب كييف القريبة من حدود مدينة اربن، والذي من المتوقع أنّ يكون دوراً أساسياً في دعم القوات المقاتلة، براً وجوّاً في حال فتحت معركة كييف على مصراعيها.
على الجبهة الجنوبية، وبعد احكام الطوق على مدينة خاركيف الواقعة على الحدود مع سومي، تمكنت القوات الروسية من خرق الدفاعات الاوكرانية في مدينة ميكولايف، الواقعة شمال غرب خيرسون، والتي تشهد معارك عنيفة مع الجانب الاوكراني، حيث وصلت الى مدينة باشتانكا، وشقت طريقها الى مدينة كيروفوهراد وسط البلاد، التي تتقدّم اليها القوات القادمة من الجبهة الغربية والتي اخترقت مدينة بافلوجراد، تاركة المجال للمدنيين بالخروج منها باتجاه الداخل الروسي، حيث أنّ عمليات الاجلاء من الجهات الشمالية والشرقية تتم باتجاه الداخل الروسي، في حين تكمل هذه القوات طريقها باتجاه مدينة نيبروبيتروفيسك.
القوات التي انطلقت شمال ميكولايف تتوجه باتجاه الغرب احو الحدود المولديفية لتصل مع اوديسكا، الاقليم الروسي المستقل فيها، ولتحقق الاتصال به، فيما تتجه القوّة الثانية لاحكام االطوق على مدينة اوديسا.
وتسعى القوات الروسية المتقدّمة من بشتانكا شمالاً للسيطرة على مفترق الطرق المؤدية الى اوديسا، وبالتالي عزلها من أي محاولة لامدادها بالسلاح، كما تحاول جزء من هذه القوات الالتفاف غربا باتجاه مدينة أوديسا، في محاولة لاحكام الطوق على المدينة الساحلية، الواقعة على البحر الأسود، تمهيدا لدخولها وعزل أوكرانيا بشكل تام من الناحية البحرية.
وبالموازاة تتقدّم هذه القوات على الطرق الرئيسية المؤدية من مدينة كوتيفا الى مدينة شركاسي وسط البلاد، حيث تحاول القوات الروسية ربط الطرق القادمة من الجهات الشمالية والجنوبية والشرقية، عبر شبكة تسمح لها باحكام الطوق على هذه المدن الرئيسية، ومنع دخول أي امدادات عسكرية اليها.
ويلاحظ في هذا السياق، أنّ القوات الروسية، غيّرت من استراتيجيتها العسكرية في التقدّم داخل المدن الاوكرانية، فبعد أن كانت هذه القوات تتقدّم من عدّة محاور متباعدة بهدف السيطرة على أكبر عدد من المدن، عمدت مؤخراً الى تكثيف نشاطها على كل الطرق الرئيسية، ومحاولة الربط بين هذه الطرق عبر ادخال فرق اضافية من المناطق الحدودية، والعمل على التقاء هذه القوات بالقوات المتقدمة من باقي الجهات، لتشكل شبكة مترابطة، تشتت من خلالها عمل القوات الخاصة الاوكرانية، وتحدّ من فعاليتها، لاسيّما أنّ هذه القوات استطاعت تدمير أكثر من قافلة عسكرية روسية في بداية الحرب، معتمدة تكتيكات عالية الدقّة، في تحقيق أنشطتها.
وعلى الجبهة الجنوبية الشرقية، فيبدو أنّ حركة قوات جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين ما تزال بطيئة، بعد مُضي اسبوعين على بدء العملية العسكرية الروسية، والتي كان من أوالى اهدافها السيطرة على الاقليم الواقع شرق اوكرانيا، والذي يضم الجمهوريتين المستقلتين المدعومتين من روسيا، وربط هذا الاقليم بالاراضي الروسية. وهذا التقدّم البطيء، قد يُصعّب المهمة على القوات الروسية، ويؤخر من تحقيق أهدافها الاستراتيجية، اذا لم تعمد هذه القوات الى تغيير استراتيجيتها أمام وحدات الدفاع الاوكرانية، التي لا تزال صامدة، رغم حجم القوّة الروسية الداعمة للقوات الشعبية.
وبعد أن استطاعت القوات الروسية السيطرة على المحطة النووية في مدينة زابوروجيا، واصلت قوات جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين تقدّمها في مناطق متعددة في ماريبول المحاصرة، والتي تعد بحكم الساقطة عسكرياً، وفق ما أفادت وزارة الدفاع الروسية، وأشارت الى انّ هذه القوات سيطرت على عدة أحياء شرق المدينة ووصلت إلى محيط مصنع “آزوفستال”، كما أنها حررت أحد الأحياء الواقعة غرب المدينة.
وتتميز مدينة ماريبول بأهميتها الاستراتيجة على ساحل بحر أزوف، باعتبارها آخر مدينة أوكرانية على البحر خارج سيطرة القوات الروسية، وبالتالي فإن السيطرة على المدينة ستمكن القوات الروسية من الإطباق على كامل ساحل بحر أزوف، كما سيؤمن التقاء القوات الروسية القادمة من دونتيسك غربًا مع القوات الروسية القادمة من مانهوش غرباً.
وفيما بقيت الحدود الرومانية الاوكرانية، خارج لغة التصعيد العسكري المباشر، لوحظ أنّ القوات الروسية، التي تعزّز من تواجدها على حدود مدينة اوديسا الساحلية الواقعة على البحر الأسود، والتي ُثشكل السيطرة عليها خطوة استراتيجية باتجاه عزل اوكرانيا بحريا، تواصل تقدّمها على امتداد 300 كيلومتراً باتجاه العاصمة كييف، مروراً بالمناطق التي دخلتها القوات الروسية.
واللافت في هذا المجال أنّ الخطة الروسية، لا تكتفي بالسعي لاحكام الطوق على المناطق الواقعة في قلب اوكرانيا، والممتدة بين المدن الرئيسية كيروفوهراد – كوتييفا- نيبروبيتروفيسك وشركاسي، انّما تسعى للتقدّم المباشر من اوديسا باتجاه كييف. وهذا ما يؤدي، في حال نجحت الخطة الروسية، الى تقسيم اوكرانيا، بين شرقية وغربية، بحيث يصبح القسم الشرقي والذي يخترقه نهر دينبر تحت السيطرة الروسية الكاملة، على أن تبقى الجهة الغربية بيد السلطات الأوكرانية.