يستذكر اللبنانيون اليوم الذكرى الرابعة للاستقالة الإكراهية لرئيس الحكومة السابق سعد الدين الحريري خلال اختطافه في السعودية، ما مثل حينها أولى مؤشرات التوجه السياسي العدائي في السعودية تجاه لبنان، التي وصلت إلى حد قطع العلاقات وإعلان الرياض تصعيدا كبيرا ضد لبنان مؤخرا، تبعتها فيه عدة دول خليجية.
وبالعودة إلى يوم 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، قبل يوم من إعلان الاستقالة التي عاد عنها لاحقا بعد تحرره، وبالتحديد إلى لحظة وصول طائرة سعد الحريري إلى السعودية يوم الجمعة، فقد كان في انتظار الرجل مفاجأة. لم يكن هناك صف من أمراء سعوديين أو مسؤولين حكوميين كما هو المعتاد لاستقبال رئيس لوزراء لبنان الذي كان يظن نفسه في زيارة رسمية للاجتماع مع الملك سلمان، حسبما قالت مصادر رفيعة المستوى قريبة من الحريري بالإضافة إلى مسؤولين لبنانين سياسيين وأمنيين رفيعي المستوى.
وتمت مصادرة هاتفه الجوال وفي اليوم الثاني أُجبر الحريري على تلاوة بيان استقالته كرئيس للوزراء في بيان بثته قناة الحدث السعودية.
وتقول مصادر قريبة من الحريري إن السعودية كانت قد خلصت إلى أن رئيس الوزراء -وهو حليف للسعودية منذ فترة طويلة وابن الراحل رفيق الحريري رئيس الوزراء الأسبق الذي اغتيل في عام 2005- كان عليه الرحيل عن المشهد السياسي لأنه “لم يكن مستعدا لمواجهة حزب الله”.
وتقول مصادر لبنانية متعددة إن الرياض كانت تخطط لأن يحل شقيقه الأكبر بهاء محله كأبرز سياسي سني في لبنان. وكان بهاء حينها موجود في السعودية وطُلب من أفراد عائلة الحريري السفر إلى هناك لمبايعته ولكنهم رفضوا السفر.
وقال مصدر مقرب من الحريري إنه “عندما حطت طائرته في الرياض فهم الرسالة فورا بأن الأمور ليست على ما يرام. لم يكن هناك أحد بانتظاره”.
وقد استدعي الحريري إلى المملكة للقاء الملك السعودي سلمان في مكالمة هاتفية مساء الخميس الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر.
وفيما كان يودع مسؤوليه قال لهم إنه سوف يعود يوم الاثنين لاستئناف مناقشاتهم. وقال لفريق إعلامه إنه سيلتقي بهم آخر الأسبوع في شرم الشيخ حيث كان من المقرر أن يلتقي بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هامش المؤتمر العالمي للشباب.
وبعد وصوله ذهب الحريري إلى منزله في الرياض. عائلته كونت ثروتها في المملكة ولديها ممتلكات هناك منذ زمن.
وقال المصدر المقرب من الحريري إن رئيس الوزراء جاءه اتصال من مسؤول في البروتوكول السعودي صباح يوم السبت وطُلب منه الذهاب لحضور اجتماع مع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد.
وقال المصدر إنهم جعلوه ينتظر نحو أربع ساعات ثم قدموا له خطاب استقالته كي يتلوه عبر التلفزيون.
وقال مصدر لبناني رفيع المستوى “من لحظة وصوله (السعوديون) لم يبدوا تجاه الرجل أي احترام”.
ودأب الحريري على زيارة السعودية. وفي زيارة قبل ذلك ببضعة أيام كان محمد بن سلمان قد رتب له لقاءات مع مسؤولي مخابرات بارزين ومع المسؤول السعودي المختص بشؤون لبنان وهو وزير الشؤون الخليجية حينها ثامر السبهان.
وعلى الفور، أبلغ الرئيس اللبناني ميشال عون سفراء أجانب بأن سعد الحريري تعرض للخطف في السعودية.
ويوم الجمعة أعلنت فرنسا “نتمنى أن يحصل سعد الحريري على كامل حريته في التحرك ويكون قادرا بشكل كامل على القيام بدوره الحيوي في لبنان”.
وخلال خطاب الاستقالة الذي أجبر على تلاوته، قال الحريري إنه “يخشى التعرض للاغتيال” واتهم إيران وحزب الله بـ”إثارة الفتنة” وتوعد بـ”قطع يد إيران”، ما أبرز المصطلحات السعودية التي كتب بها البيان.
وجاءت استقالة الحريري في وقت احتجزت فيه السعودية أكثر من 200 شخص بينهم 11 أميرا ووزراء حاليون وسابقون ورجال أعمال كبار.
في البداية كثر الحديث بأن الحريري كان أيضا هدفا لحملة الفساد بسبب مصالح العائلة التجارية هناك. لكن مصادر مقربة من الزعيم اللبناني قالت إن استقالته القسرية كانت مدفوعة بسياسة سعودية تريد مواجهة حزب الله.
تم أخذ الحريري للقاء الملك بعد استقالته. وتم بث اللقطات عبر التلفزيون السعودي. ومن ثم تم أخذه إلى أبوظبي للقاء الأمير محمد بن زايد الحليف الإقليمي الرئيسي لولي العهد السعودي. وعاد بعد ذلك إلى الرياض.
وقالت مصادر مقربة من الحريري إن السعوديين بينما كانوا يبقون على الحريري قيد الإقامة الجبرية فإنهم كانوا يحاولون تغيير القيادة في تيار المستقبل من خلال تثبيت أخيه الأكبر بهاء كزعيم جديد محل سعد. وتم استبعاد بهاء من تولي المنصب الأعلى عندما اغتيل والده. والأخوان على خلاف منذ سنوات.
وردا على التقارير التي تفيد بأن بهاء كان في وضع يسمح له بالاستعاضة عن شقيقه الأصغر سعد قال نهاد المشنوق وزير الداخلية وأحد مساعدي الحريري أيضا “نحن لسنا قطيع غنم ولا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى أخر …في لبنان الأمور تحصل بالانتخابات وليس المبايعات (مثل السعودية)”.
واليوم، بعد أربع سنوات على الحادثة غير المسبوقة في العلاقات الدولية، صعدت السعودية من هجومها على لبنان، حيث أعلنت قطع العلاقات ووقف الصادرات اللبنانية، بحجة تصريحات لوزير الإعلام اللبناني وصف فيها الحرب على اليمن بانها عبثية. لكن وزير الخارجية السعودي أكد لاحقا أن الأزمة تستهدف دور حزب الله في السياسة اللبنانية، علما أنه الحزب الاكثر حصولا على الأصوات في آخر انتخابات شهدتها البلاد.